لا توجد أسباب محددة وقاطعة ترتبط بالثورات؛ فلكل ثورة أسبابها التي تؤدي لاندلاعها. وحتى لو تشابهت الظروف الخاصة بالبلدان، فلا يعني ذلك أن الثورات سوف تندلع فيها في الوقت نفسه، أو حتى في أوقات متقاربة. ورغم محاولة البعض رد الثورات لأسباب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو حتى دينية، فإنه لا يمكن التنبؤ بها أو حتى رسم معالمها الأولية.
ومن حسن حظ أقدار الشعوب أنه لا يوجد جزم واضح باندلاع الثورات، وإلا لاستطاعت الحكومات والنظم السياسية التنبؤ بها وإجهاضها مبكرا. فهناك شعوب عاشت فترات طويلة في ظل ظروف اقتصادية بالغة السوء ولم تثر، وأخرى عانت ويلات القهر السياسي والزج بها في غياهب السجون ولم تتحرك، بينما واجهت شعوب أخرى أشكالا بسيطة من القمع السياسي والتفاوت الاقتصادي، فما كان منها إلا أن أقامت الدنيا وأقعدتها ضد نظمها الحاكمة. فلا توجد هناك معايير محددة للكيفية التي تهب بها الشعوب ضد أنظمتها الحاكمة؛ فكل ما لدينا هو مقاربات، ربما تكون متواترة الحدوث، لأسباب اندلاع الثورات وحدوثها.
وبشكل عام، يمكن القول بأن معظم الثورات تحدث لأسباب سياسية أكثر منها اقتصادية أو اجتماعية؛ بمعنى أن الأسباب السياسية يكون لها التأثير الأكبر، حتى لو كانت الأسباب المعلنة أسبابا اقتصادية أو اجتماعية. ويعود ذلك للقمع المباشر للحريات، وما يرتبط بذلك من مصادرة لكافة جوانب التعبير عن الرأي وهيمنة الصوت الواحد للنظام. ويُسرّع القمع السياسي في الأساس من قيام الثورات وما يصحبها من اضطرابات. فقد تتحمل الشعوب تأثيرات الفقر وتدهور الحالة الاقتصادية وانتشار التفاوتات الاجتماعية، طالما أنها تتمتع بالحد الأدنى من الحريات وبقدر ما من الاحترام والكرامة.
واللافت للنظر هنا أن الكثير من الفئات الاجتماعية قد يقبل بالظلم الاجتماعي، حتى وهي لا تتمتع بالحريات السياسية، طالما أن النخب التي تمثلها تتمتع بقدر ما من الاحترام والتقدير من جانب النظام على مستوى التمثيل السياسي. فوجود هذا القدر من الاحترام والتقدير من جانب النظام السياسي، يجعل هذه الفئات على قدر ما من الرضا والارتياح، حتى وهي تتعرض لأشكال عديدة من الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
لا يعني ما سبق أن الأسباب الاجتماعية والاقتصادية لا تعلب دورا هاما في اندلاع الثورات، لكنها تلعب هذا الدور على مستوى الفئات المحرومة والدنيا. ورغم أن هذه الفئات تمد الثورات بالزخم البشري الخاص بها في بدايات الثورة، إلا أنها قد تكون أول الفئات المنسحبة منها، إذا لم يتم تدعيم درجة وعيها وضمان صبرها واستيعابها لمجريات الثورة والأسباب التي أدت لاندلاعها. فهذه النوعية من الفئات قد تستجيب إلى حدث الثورة بشكل عفوي، وربما أيضا فوضوي يهدف لنهب أي شيء قد تقع أيديها عليه، ولا يعود ذلك لارتباطها بأعمال النهب والسلب قدر ما يعود لحالة الفقر والحرمان التي تواجهها، وانخفاض نسبة الوعي الخاصة بها.
ولا يقتصر تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية على الشرائح الفقيرة والدنيا في المجتمع، بل إنه يتعدى ذلك إلى التأثير على الطبقات الوسطى الأكثر وعيا، والتي غالبا ما تربط أوضاعها الاقتصادية بمتطلبات سياسية أكثر اتساعا وتأثيرا في الوقت نفسه. فالطبقات الوسطى هي العامل المشترك والمؤثر في معظم، إن لم يكن كافة الثورات البشرية، وربما يمكن القول بشكل عام إنه بدون هذه الطبقة لن تندلع ثورات بالمعنى الحقيقي والشامل للثورة؛ فبدونها سوف تكون حركة الفقراء والمعدمين مجرد هبات عفوية تنشد الخبز والمكاسب الفورية، وسوف تكون حركات الأثرياء مجرد انقلابات نخبوية تنشد كرسي الحكم وصولجانه. والثورة عبر هاتين الشريحتين لا تنتقل جغرافيا، كما أنها لا تستمر طويلا أو تُحدث تغييرات جذرية حقيقية.
تبقى إذاً ثورة الطبقات الوسطى هي الأكثر تأثيرا وارتباطا بالمزاج المجتمعي العام، فهي ثورة لا تحركها البطون، ولا تدفع إليها الرغبة في الرئاسة والهيمنة. من هنا يأتي تأثيرها بشكل واسع النطاق وأكثر تجذرا في السياق المجتمعي العام، ليشمل كافة الشرائح المجتمعية والجغرافية، وهو ما يفسر درجة الخوف من اندلاعها من قبل السياقات الرجعية المحيطة بها.
إضافة إلى ذلك، يمكن القول أيضاً بأن الثورات تنقل عدواها من مكان لآخر، ويرجع ذلك لتأثيراتها الهائلة التي تنقل الأفراد من حال الخضوع والانسحاب إلى حال الاستقلال والمواجهة. ومن اللافت للنظر أن وسائل الإعلام الحديثة قد أصبحت أهم عامل لانتشار الثورات الحديثة ومنحها زخما جديدا غير معهود، يتساوى في ذلك من يقومون بالثورة ومن يجاورونها، وهو أمر يضيف أعباء جديدة على أية محاولة تحدد أسباب اندلاع الثورات وكيفية انتشارها، عما كان عليه الحال فيما قبل؛ ففرق كبير بين الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، وبين الثورتين التونسية والمصرية في القرن الحادي والعشرين.
ومن حسن حظ أقدار الشعوب أنه لا يوجد جزم واضح باندلاع الثورات، وإلا لاستطاعت الحكومات والنظم السياسية التنبؤ بها وإجهاضها مبكرا. فهناك شعوب عاشت فترات طويلة في ظل ظروف اقتصادية بالغة السوء ولم تثر، وأخرى عانت ويلات القهر السياسي والزج بها في غياهب السجون ولم تتحرك، بينما واجهت شعوب أخرى أشكالا بسيطة من القمع السياسي والتفاوت الاقتصادي، فما كان منها إلا أن أقامت الدنيا وأقعدتها ضد نظمها الحاكمة. فلا توجد هناك معايير محددة للكيفية التي تهب بها الشعوب ضد أنظمتها الحاكمة؛ فكل ما لدينا هو مقاربات، ربما تكون متواترة الحدوث، لأسباب اندلاع الثورات وحدوثها.
وبشكل عام، يمكن القول بأن معظم الثورات تحدث لأسباب سياسية أكثر منها اقتصادية أو اجتماعية؛ بمعنى أن الأسباب السياسية يكون لها التأثير الأكبر، حتى لو كانت الأسباب المعلنة أسبابا اقتصادية أو اجتماعية. ويعود ذلك للقمع المباشر للحريات، وما يرتبط بذلك من مصادرة لكافة جوانب التعبير عن الرأي وهيمنة الصوت الواحد للنظام. ويُسرّع القمع السياسي في الأساس من قيام الثورات وما يصحبها من اضطرابات. فقد تتحمل الشعوب تأثيرات الفقر وتدهور الحالة الاقتصادية وانتشار التفاوتات الاجتماعية، طالما أنها تتمتع بالحد الأدنى من الحريات وبقدر ما من الاحترام والكرامة.
واللافت للنظر هنا أن الكثير من الفئات الاجتماعية قد يقبل بالظلم الاجتماعي، حتى وهي لا تتمتع بالحريات السياسية، طالما أن النخب التي تمثلها تتمتع بقدر ما من الاحترام والتقدير من جانب النظام على مستوى التمثيل السياسي. فوجود هذا القدر من الاحترام والتقدير من جانب النظام السياسي، يجعل هذه الفئات على قدر ما من الرضا والارتياح، حتى وهي تتعرض لأشكال عديدة من الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
لا يعني ما سبق أن الأسباب الاجتماعية والاقتصادية لا تعلب دورا هاما في اندلاع الثورات، لكنها تلعب هذا الدور على مستوى الفئات المحرومة والدنيا. ورغم أن هذه الفئات تمد الثورات بالزخم البشري الخاص بها في بدايات الثورة، إلا أنها قد تكون أول الفئات المنسحبة منها، إذا لم يتم تدعيم درجة وعيها وضمان صبرها واستيعابها لمجريات الثورة والأسباب التي أدت لاندلاعها. فهذه النوعية من الفئات قد تستجيب إلى حدث الثورة بشكل عفوي، وربما أيضا فوضوي يهدف لنهب أي شيء قد تقع أيديها عليه، ولا يعود ذلك لارتباطها بأعمال النهب والسلب قدر ما يعود لحالة الفقر والحرمان التي تواجهها، وانخفاض نسبة الوعي الخاصة بها.
ولا يقتصر تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية على الشرائح الفقيرة والدنيا في المجتمع، بل إنه يتعدى ذلك إلى التأثير على الطبقات الوسطى الأكثر وعيا، والتي غالبا ما تربط أوضاعها الاقتصادية بمتطلبات سياسية أكثر اتساعا وتأثيرا في الوقت نفسه. فالطبقات الوسطى هي العامل المشترك والمؤثر في معظم، إن لم يكن كافة الثورات البشرية، وربما يمكن القول بشكل عام إنه بدون هذه الطبقة لن تندلع ثورات بالمعنى الحقيقي والشامل للثورة؛ فبدونها سوف تكون حركة الفقراء والمعدمين مجرد هبات عفوية تنشد الخبز والمكاسب الفورية، وسوف تكون حركات الأثرياء مجرد انقلابات نخبوية تنشد كرسي الحكم وصولجانه. والثورة عبر هاتين الشريحتين لا تنتقل جغرافيا، كما أنها لا تستمر طويلا أو تُحدث تغييرات جذرية حقيقية.
تبقى إذاً ثورة الطبقات الوسطى هي الأكثر تأثيرا وارتباطا بالمزاج المجتمعي العام، فهي ثورة لا تحركها البطون، ولا تدفع إليها الرغبة في الرئاسة والهيمنة. من هنا يأتي تأثيرها بشكل واسع النطاق وأكثر تجذرا في السياق المجتمعي العام، ليشمل كافة الشرائح المجتمعية والجغرافية، وهو ما يفسر درجة الخوف من اندلاعها من قبل السياقات الرجعية المحيطة بها.
إضافة إلى ذلك، يمكن القول أيضاً بأن الثورات تنقل عدواها من مكان لآخر، ويرجع ذلك لتأثيراتها الهائلة التي تنقل الأفراد من حال الخضوع والانسحاب إلى حال الاستقلال والمواجهة. ومن اللافت للنظر أن وسائل الإعلام الحديثة قد أصبحت أهم عامل لانتشار الثورات الحديثة ومنحها زخما جديدا غير معهود، يتساوى في ذلك من يقومون بالثورة ومن يجاورونها، وهو أمر يضيف أعباء جديدة على أية محاولة تحدد أسباب اندلاع الثورات وكيفية انتشارها، عما كان عليه الحال فيما قبل؛ ففرق كبير بين الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، وبين الثورتين التونسية والمصرية في القرن الحادي والعشرين.